البيتكوين ومكائن سنجر
راجت شائعة الزئبق الأحمر في عام 2009 مما أدى لوصول أسعار مكائن الخياطة سنجر إلى أكثر من 50 ألف ريال حيث أن جزءًا من الإشاعة كان بأن المكائن تحوي على الزئبق الأحمر داخلها.
عندها أخذ الناس في استخراج المكائن القديمة من الأمهات والجدّات والبحث عنها في كل مكان ومن ثم بيعها في الحراج ... ولكن لم يطرح أحد السؤال الأهم وهو من هو المشتري النهائي للزئبق الأحمر؟
لم يتطلب الأمر سوى بضعة أشهر حتى أدرك البعض الخدعة وأنه لايوجد مشتري للزئبق الأحمر، ثم ما لبث إلا أن أدركت الجماهير الحقيقة مما أدى لهبوط أسعار (سنجر) إلى مستويات أسعار الخردة واستفاد من استفاد وخسر من خسر.
بعد قرابة عشرة أعوام، ظهرت مكائن سنجر مرة أخرى ولكن بلباس أنيق وبمسمى "العملات الرقمية" ولكن هذه المرة على مستوى العالم أجمع. حيث اتفق القليل على أن ما يتم انتاجه من لوغاريثم "البيتكوين" له قيمة عندهم بعد أن استخدموا تقنيات البلوكشين للموثوقية.
سأقوم باستخدام البيتكوين كمثال لجميع العملات الرقمية في هذا المقال.
ما لبث الموضوع إلا أن أخذ بالرواج بشكل أكبر ودخل في هذا الاتفاق عدد أكبر مما أعطى البيتكوين قيمة أكبر. ولكون البيتكوين لا يحتاج إلى الحكومات لتنفيذ عمليات التحويل وضمانها فقد أعجب الموضوع المنظمات الإجرامية وتجّار المخدرات والبشر والعاملين في غسيل الأموال فقد أتاح لهم البيتكوين التعامل فيما بينهم دون رقابة البنوك المركزية والحكمومات.
ولدخول هذه المنظمات ومحدودية ما يُنتجه لوغاريثم البيتكوين فقد ارتفعت أسعر البيتكوين بشكل كبير مما أعطى وهم وجود قيمة لها لدى المتعاملين مما دعى عدد أكبر من الجماهير للانتباه لها والشراء فيها.
ومع مرور الوقت والأسعار التاريخية التي تسجلها هذه العملات، دخل الملياردير إليون مسك على الخط في قبول شركة تيسلا للبيتكوين كعملة مما أدى لارتفاع العملة مرة أخرى ثم أخذ يتلاعب في التصريحات مؤديًا لهبوط وارتفاع متكرر للعملة ومن ثم أخذ بالتصريح بحُبه لعملة DOGE والتي ارتفعت 50% ذلك اليوم.
كما يوجد الكثير من أمثال مسك الذين يمارسون هذه الألاعيب الغير أخلاقية حسب وصف البعض ولكنها قانونية 100% حيث أن العملات الرقمية لا تخضع لأي نوع من الرقابة من أي جهة كانت ولا يستطيع مسك أو غيره استخدام هذه الأساليب في أسواق الأسهم والمال حيث سيكون مسؤلًا عن ذلك.
وقبل أيام قليلة خرج لنا الرئيس التنفيذي لشركة Microstrategy ليقوم بتوقع أن تصل أسعار البيتكوين إلى 6 مليون دولار مستقبلًا ولم يتم تعريف مستقبلًا كما أنها سيستبدل الذهب. طبعًا كما تتوقع أيها القارئ الكريم، هذا الشخص وشركته كلاهما يملكان كمًا كبيرًا من البيتكوين.
ولا ننسى هنا القول بأن هناك الكثير من التحفظات على البيتكوين ومثيلاتها على البيئة واستهلاكها للطاقة ولذلك للتعدين الكبير الحاصل عليها. فهي تستهلك كميات كبيرة جدًا من الطاقة وذلك لتنفيذ لوغاريثم التعدين والحصول على البيتكوين دون مقابل.
ماهي قيمة البيتكوين اقتصاديًا؟
حين نتحدث عن الأسهم فهي ببساطة حصتك وشراكتك في شركة ما. وحين نتحدث عن العملات فهي أوراق نقدية تضمن البنوك المركزية والحكومات قيمتها وهي مدعومة بشكل أساسي من اقتصاد هذه الحكومات. أما العملات الرقمية فقيمتها مجرد عرض وطلب على مجموعة من 0 و 1.
فحين نتحدث عن شركة جووجل مثلًا يستطيع الاقتصاديين والماليين توقع اتجاه الشركة وقيمتها وهل يتوقعون نموها أو تراجعها. وحين نتحدث عن الدولار، يستطيعون كذلك توقع قيمته ومستقبله بناء على اقتصاد أمريكا والاقتصاد العالمي. أما حيث نرغب في تحليل العملات الرقمية، فلا يوجد أي طريقة علمية أو عملية لتحديد قيمتها أو توقع مستقبلها كما أنه لايوجد طريقة علمية لتوقع أسعار مكائن سنجر مستقبلًا وإن كُنت أعتقد أن مكائن سنجر قد نستطيع تحديد قيمتها وتوقع مستقبلها.
كيف تكون خرافة وهناك من يربح منها؟
أرى كثيرًا من غير المختصين المستثمرين ينصحون بشدة أن تكون العملات الرقمية جزءًا من محفظتك الاستثمارية ومنهم من يقول 5% و منهم من يصل إلى 25%. حتى أن أحدهم أخذ ينصح صندوق الاستثمارات العامة السعودي في الشراء في العملات الرقمية وعدم تفويت الفرصة.
ويطرح علي الكثير ممن أناقشهم أنه يعرف الكثير ممن ربح من العملات الرقمية وأصبح من أصحاب الملايين عن طريق استثماره فيها. وهذا طبيعي فهناك من ربح كذلك من مكائن سنجر عام 2009م وهناك من ربح من صالات القمار وكل ذلك لا يجعلها طريقة استثمارية أو اقتصداية معتبرة.
شخصيًا لم أجد اقتصادي يؤمن في فكرة العملات الرقمية بل أنهم يقولون سموها أي شيء غير عملات. ولكن يناقشها غير المختصين ويقولون أنها شيء جديد لا يفهمونه المختصين -وهذا مضحك فعلًا-.
ودائمًا يقولون أن العملات الرقمية عن طريق تقنية البلوكشين استغنت عن الحكمومات في الرقابة على الحوالات ولكنهم نسوا تمامًا أنهم يحتاجون للحكومات لضمان القيمة ويحتاجون إلى الاقتصاد ليعطيهم القيمة.
وأختم بأن البيتكوين لا يحتاج إلى الحكمومات والبنوك المركزية لضمان عمليات التحويل ولكنه يفتقد بشكل أساسي إلى ضامن للقيمة. لذلك لا أعتقد أنه من المناسب تسميتها "عملات رقمية" بل قد تسمى "أشياء رقمية".