أبل لم تخترع iPod

لكنها اخترعت شيئًا آخر كليًا

iPod ليس فئة جديدة. الموسيقى ليست جديدة. إنها سوق كبيرة جدًا جدًا. لقد كانت موجودة منذ آلاف السنين وستكون موجودة طالما أن البشر موجودون

ستيف جوبز - مؤسس شركة أبل

نعم، شركة أبل لم تخترع جهاز iPod و قد سبقتها شركات إلى ذلك مثل شركة سوني التي قامت ببناء جهاز MP3 يدخل الجيب قبل شركة أبل. ولم تخترع أبل أول هاتف بشاشة لمس فقط سُبِقت في ذلك كثيرًا من العديد من الشركات، و لكن السؤال هو لماذا حقق الـ iPod و iPhone نجاحاً باهراً مقارنة بمنتجات سبقته بكثير. سأركز اليوم على قصة الـ iPod.


أعتقد أن دراسة هذه الحالة يشخص سبب فشل كثير من المنتجات التي تطرح في السوق بشكل مستمر سواء كانت منتجات برمجيات أو أجهزة أو حتى خدمات. فكثيراً ما تكون نظرتنا قاصرة في محاولة حل مشكلة واحدة و اللعب حسب مقاييس السوق.


أبل لم تقدم جهاز الـ iPod فقط، بل قدمت لنا منصة كاملة (Platform) حينها. فقد أعاد جوبز تعريف المشكلة من “كيف أطور جهاز يدخل الجيب؟” إلى “كيف أستمع إلى أغنية محددة دون شراء الألبوم كاملاً؟” فبإعادة تعريف المشكلة، كان من الواضح أن الـ iPod لا يحل المشكلة!!


فما كان من جوبز حينها إلا أن اتفق مع خمسة من أكبر تسجيلات الموسيقى ليقوموا بتوفير محتواهم على منصة iTunes . طبعًا هذه المهمة لم تكن سهلة على الإطلاق و كان لإنجازها الكثير الوقت و الجهد الذي قضاه جوبز في ذلك.


كانت الفكرة الجديدة لـ iTunes هو بيع الأغنية الواحدة بمبلغ 0.99 سنت فقط و الأغاني الشهيرة تصل إلى 1.29 دولار. هذه الطريقة الذكية ساعدت المستخدم على شراء أغنية واحدة فقط بدلاً من شراء الألبوم كاملاً، كما ساعدت شركات التسجيلات على محاربة القرصنة التي كانت شائعة حينها :)


فكرة جوبز الذكية في الـ iTunes هي ما مكنت نجاح جهازه iPod و الذي تطور لاحقًا إلى iPhone. فشركة أبل لم تخترع iPod بل بنت نظام عالمي جديد Ecosystem مكنها من السيطرة على قطاع هام جداً و تسويق منتجاتها إلى الشباب حينها.

لعل ما يستفاد من مثال iPod هو أنه لإحداث التغيير الأكبر لا تقم بتقديم أو اختراع منتج، بل قدم Platform يستوعب الآخرين و تغير من خلاله قواعد اللعبة كاملة و لعل أبز شركتين تلعبان على هذا المفهوم اليوم هما شركتا Apple و Google و في الصعيد المحلي هناك أمثلة متعددة و لكن أبرزها من وجهة نظري هو منصة زد بحيث تقوم بربط التاجر بمنظومة من الخدمات مثل الشحن و التوصل و الدفع الإلكتروني و التسويق و التصوير و غيرها. و نتمنى أن نرى أمثلة أكثر في عالمنا العربي لمثل هذا المفهوم.

و مثل هذه المنظومات بالعادة تتعامل مع أكثر من عميل في نفس الوقت و تقوم بتيسير المنفعة بينهم. شركة فيسبوك على سبيل المثال، لديها الأشخاص مثلنا المستخدمين للمنصة. كما أن لديها المعلنين الذين توجه إعلاناتهم لنا. كما لديها في نفس الوقت المطورين أو المبرمجين الذي يقومون باستخدام فيسبوك كمنصة لتطوير منتجاتهم و لديها كذلك الناشرين للمحتوى و بقيامها سابقًا بالاستحواذ على انستجرام و الواتس أب تقوم اليوم بالتعاون مع شركة Shopify لتقديم واجهة للبيع و ربطها بمنظومتها المعلوماتية لتقديم أفضل تجربة مستخدم.


فمن وجهت نظري عندما يكون لديك منتج فأنت غالبًا تلعب ضمن قوانين لعبة معينة لأنك في منظومة أحدهم، أما عندما يكون لديك منظومة فأنت تقوم بصناعة قواعد خاصة بك، و إن كانت أي منظومة هي ضمن منظومة أكبر دائمًا.